سورة نوح - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (نوح)


        


{ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (14)}
قيل: الرجاء هنا بمعنى الخوف، أي مالكم لا تخافون لله عظمة وقدرة على أحدكم بالعقوبة. أي أي عذر لكم في ترك الخوف من الله.
وقال سعيد بن جبير وأبو العالية وعطاء ابن أبي رباح: ما لكم لا ترجون لله ثوابا ولا تخافون له عقابا.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: مالكم لا تخشون لله عقابا وترجون منه ثوابا.
وقال الوالبي والعوفي عنه: ما لكم لا تعلمون لله عظمة.
وقال ابن عباس أيضا ومجاهد: مالكم لا ترون لله عظمة. وعن مجاهد والضحاك: ما لكم لا تبالون لله عظمة. قال قطرب: هذه لغة حجازية. وهذيل وخزاعة ومضر يقولون: لم أرج: لم أبال. والوقار: العظمة. والتوقير: التعظيم.
وقال قتادة: ما لكم لا ترجون لله عاقبة، كأن المعنى ما لكم لا ترجون لله عاقبة الايمان.
وقال ابن كيسان: ما لكم لا ترجون في عبادة الله وطاعته أن يثيبكم على توقيركم خيرا.
وقال ابن زيد: مالكم لا تؤدون لله طاعة.
وقال الحسن: مالكم لا تعرفون لله حقا ولا تشكرون له نعمة.
وقيل: مالكم لا توحدون الله، لان من عظمه فقد وحده.
وقيل: إن الوقار الثبات لله عز وجل، ومنه قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] أي أثبتن. ومعناه ما لكم لا تثبتون وحدانية الله تعالى وأنه إلهكم لا إله لكم سواه، قاله ابن بحر. ثم دلهم على ذلك فقال: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً} أي جعل لكم في أنفسكم آية تدل على توحيده. قال ابن عباس: أَطْواراً يعني نطفة ثم علقة ثم مضغة، أي طورا بعد طور إلى تمام الخلق، كما ذكر في سورة المؤمنون. والطور في اللغة: المرة، أي من فعل هذا وقدر عليه فهو أحق أن تعظموه.
وقيل: أَطْواراً صبيانا، ثم شبابا، ثم شيوخا وضعفاء، ثم أقوياء.
وقيل: أطوارا أي أنواعا: صحيحا وسقيما، وبصيرا وضريرا، وغنيا وفقيرا.
وقيل: إن أَطْواراً اختلافهم في الأخلاق والافعال.


{أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (16)}
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً} ذكر لهم دليلا آخر، أي ألم تعلموا أن الذي قدر على هذا، فهو الذي يجب أن يعبد! ومعنى طِباقاً بعضها فوق بعض، كل سماء مطبقة على الأخرى كالقباب، قاله ابن عباس والسدي.
وقال الحسن: خلق الله سبع سموات طباقا على سبع أرضين، بين كل أرض وأرض، وسماء وسماء خلق وأمر. وقوله: أَلَمْ تَرَوْا على جهة الاخبار لا المعاينة، كما تقول: ألم ترني كيف صنعت بفلان كذا. وطِباقاً نصب على أنه مصدر، أي مطابقة طباقا. أو حال بمعنى ذات طباق، فحذف ذات وأقام طباقا مقامه. {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} أي في سماء الدنيا، كما يقال: أتاني بنو تميم وأتيت بني تميم والمراد بعضهم، قاله الأخفش. قال ابن كيسان: إذا كان في إحداهن فهو فيهن.
وقال قطرب: فِيهِنَّ بمعنى معهن، وقاله الكلبي. أي خلق الشمس والقمر مع خلق السموات والأرض.
وقال جلة أهل اللغة في قول امرئ القيس:
وهل ينعمن من كان آخر عهده *** ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
في بمعنى مع. النحاس: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: جواب النحويين أنه إذا جعله في إحداهن فقد جعله فيهن، كما تقول: أعطني الثياب المعلمة وإن كنت إنما أعلمت أحدها. وجواب آخر: أنه يروى أن وجه القمر إلى السماء، وإذا كان إلى داخلها فهو متصل بالسماوات، ومعنى نُوراً أي لأهل الأرض، قاله السدي.
وقال عطاء: نورا لأهل السماء والأرض.
وقال ابن عباس وابن عمر: وجهه يضئ لأهل الأرض وظهره يضئ لأهل السماء. {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً} يعني مصباحا لأهل الأرض ليتوصلوا إلى التصرف لمعايشهم.
وفي إضاءتها لأهل السماء القولان الأولان، حكاه الماوردي.
وحكى القشيري عن ابن عباس أن الشمس وجهها في السموات وقفاها في الأرض.
وقيل: على العكس. وقيل لعبد الله بن عمر: ما بال الشمس تقلينا أحيانا وتبرد علينا أحيانا؟ فقال: إنها في الصيف في السماء الرابعة، وفي الشتاء في السماء السابعة عند عرش الرحمن، ولو كانت في السماء الدنيا لما قام لها شي.


{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (18)}
يعني آدم عليه السلام خلقه من أديم الأرض كلها، قاله ابن جريج. وقد مضى في سورة الأنعام والبقرة بيان ذلك.
وقال خالد بن معدان: خلق الإنسان من طين، فإنما تلين القلوب في الشتاء. ونَباتاً مصدر على غير المصدر، لان مصدره أنبت إنباتا، فجعل الاسم الذي هو النبات في موضع المصدر. وقد مضى بيانه في سورة آل عمران وغيرها.
وقيل: هو مصدر محمول على المعنى، لان معنى: أَنْبَتَكُمْ جعلكم تنبتون نباتا، قاله الخليل والزجاج.
وقيل: أي أنبت لكم من الأرض النبات. ف نَباتاً على هذا نصب على المصدر الصريح. والأول أظهر.
وقال ابن جريج: أنبتهم في الأرض بالكبر بعد الصغر وبالطول بعد القصر. {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها} أي عند موتكم بالدفن. {وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً} بالنشور للبعث يوم القيامة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6